تجربة العزلة بقلم رؤوف سليمان أبو فراس

في المقهى المهجور الا من صاحبه البائس والنادل المسكين وبعض الحرفاء البسيطين جدا ...اجلس وحيدا ..ما معي غير نرجيلة تافهة وكانون مملوء جمرا...قهوة مرة كالدهر وكتاب منسوخ على طابعة قديمة...لا أدري لماذا جلست هنا .. ربما بحثا عن الوحدة والعزلة او ربما ساقني القدر الى هنا حتى أتمتع ببعض من الهدوء والسكينة بعيدا عن صخب الحياة..  الكل سواء....
هذا المقهى الرابض على الربوة المطلة على المدينة ...يراقب حركتها ليلا نهارا... يشاهد المارة  والعابثين .... الفقراء والأغنياء ..
المتدينين واللصوص.. الأفاقين والمتزلفين ولاعقي الأحذية .....
لكنه يظل صامتا لا ينطق ببنت شفة... 
يحاول صاحب الكتاب جعلك مقتنعا أن مفتاحك الى الحياة الجيدة هو وظيفة أحسن من وظيفتك ...او سيارة أكثر  فخامة من سيارتك المهترئة ... او صديقة جميلة أجمل من صديقتك... او حوض سباحة محاط بسور عال وحوله كراسي للاسترخاء والمتعة ... ويخبرك أن الطريق الى حياة أفضل هو المزيد والمزيد...
هذه طرقهم الى السعادة... 
لكني انسان مختلف جدا... ربما ضحكة طفل تناوله قطعة حلوى او شكلاطة .... ابتسامة فقير  تناوله رغيفا او بعض القطع النقدية الزائدة عن حاجتك تجعلك أكثر فرحا وسعادة.... 
ربما عندما تجلس الى شيخ طاعن في السن يحدثك عن تجاربه في الحياة ....او أن تستمع الى امرأة جارت عليها الدنيا وتنكر لها القريب والبعيد ....ثم تواسيها بكلمات رقيقة تجعلها تبتسم هي سعادة من نوع آخر لا يعرفها صاحب الكتاب لانه يعيش في مجمتع الوحدانية ...الفردية المقيتة... مجمتع ساقط لا يعترف الا بمن ملك الجاه والسلطة وكثر ماله حتى نسي عده....
صاحب المقهى سعيد بمماليمه القليلة والنادل رغم تعبه يعود بقوت أطفاله الستة راضيا قنوعا.... 
أما أنا فأغادر المقهى بنفس الكتاب بعد أن التهمت ربعه ودخت نرجليتي واحتسيت قهوة او اثنتين ....اغادر منتشيا سعيدا ...أبحث عن مكان آخر يرفعني الى وحدتي ويحقق تجربة العزلة المنشودة .....
#يتبع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شتوية ما كيفهاش جزء 1 بقلم رؤوف سليمان

حكايتنا بقلم سمير الفرحاني

أنا البحر بقلم عماد إيلاهي