القادم الجديد بقلم الشاعرة والقاصة وفاء بوترعة
***** § القادم الجديد § *****
لم تكن تفكّر أن يأتيها الحبّ من جديد ، و لا أن تجازف و تفتح له ذراعيها بيوم من الأيّام.. رغم أنّها عاشت زمنا تتمنّى أن تعيش قصّة حبّ مُتَكاملة : حبيب متيّم بها ، تعشقه بحدّ الجنون .. و بجنون الحبّ و لذّته يعيشان .. لكنّ لم يتحقّق شيء من أمنياتها .. فكلّما خفق قلبها لتعيش قصّة حبّها ، تكون من طرف واحد أو ظرفا ما يَئِد هذه القصّة في بدايتها ..
حكايتها.....
أنّها بأوّل شبابها و قد فتحت أبوابها وشبابيكها لتستقبل قصّة حبّها المتكاملة التي تنتظرها من أوّل صباها .. تقدّمت عائلة من معارف أبيها لخطبتها لابنهم الذي لم تعرفه ولا حتّى رأته من قبل.. تمنّت أن يخفق قلبيهما و يكون هو الحبيب وهي الحبيبة.. للأسف لم يحصل شيئا من هذا.. أرادت الرّفض لكنّ والدها أجبرها على القبول.. و تزوّجت زواج مصالح بين العائلتين لم تغنم منها غير انكسار قلبها و قتل أحلامٍ رَعَتها في خيالها .. و رغم ذلك عاشت مع زوجها حياة متوازنة هادئة .. بمشاعر بينهما هادئة بل تغطيها طبقة من الجليد ... كانت راضية بعيشتها معه كالأكثرية من بنات جنسها في مجتمعنا الشّرقي ، مقتنعة بقسمتها ونصيبها .. أنجبت ولدين كانا كلّ حبّها ، بل كلّ عشقها ، أعطتهما دون حساب .. فهي تعيش بهما ولهما..
سارت حياتها في وتيرة واحدة ، لا جديد فيها غير بعض الإهتزازات التي تكسّر في كلّ مرّة روتين الحياة ..
و مع الأيام ظهرت الأمراض ، و بان عدد السّنين على وجهها وجسمها أكثر من سنوات عمرها .. ومرض أيضا زوجها ، لكن كان مرضه خبيثا .. حزنت وتألّمت له و معه .. تحمّلت وحاربت معه علّ الله يمنحه الشّفاء... إلّا أنّه بعد صراع بينهما وبين هذا الخبيث ، مات زوجها .. فسرق موته ذلك الهدوء والرّضا و حتّى ذاك الرّوتين ،، روتين لا نتمنّاه إلّا إذ تكسّر بـوجعٍ ...فتلك السّنوات جعلت من زوجها العشير والونيس.. واليوم فقدت الونس لتعاني الوحدة القاتلة.. خاصّة أنّ ولداها تفرّقا في غمار الدّنيا ، فـعاشت هي بحزنها حتّى كبرت أكثر دون أن تكبر .. اعتزلت الدّنيا بما فيها ، تنتظر يوم التحاقها بزوجها ... صارت عالَة على ولدَيها ،، فأحدهما يعيش متنقلا بين دول أروبا لا يستقرّ نظرا لطبيعة عمله .. و الثّاني يعمل بالصّحراء في شركة بترول ،، و لا يزورانها إلّا نادرا ،، فالدّنيا مشاغلها لا تنتهي ، تسرقنا من أحبابنا وحتّى من أنفسنا ..
وناقش ثلاثتهم كيف وأين ستكون بغيابهما .. مستحيل أن تكون لوحدها ، كما أنّ ظروف عملهما تمـنعها من مرافقة أحدهما .. اقترحت أن تسكن دار المسـنّين .. عارضاها ، لكن لا حلّ آخر يطمئـنّان به عليها في غيابهما ..
تعرّفت على ساكني دار المسنّين رجالا و نساء ..لم تندمج معهم بسهولة و خيّـرت الإنزواء .. فكانت حياتها في دار المسـنّين رتيـبة مُمِلّة ،، لولا أنّها وجدت بقاعة الجلوس بعض المجلّات و الجرائد تُشـغِل نفسها بتـصفّحها لتـدفن بعض الزّمن بين صفحاتها ..
بنفس القاعة يجلس رجل تقريبا بنفس عمرها ، يقرأ كتبا و في بعض الأحيان يكتب على دفترٍ له .... بعد مدّة قصيرة اِنتبهت لوجوده ، فصارت تتابع حركاته إذ كان وهو يطالع أو يكتب ، يعبّر بقسمات وجهه و يده .. أو يُـهَمْـهِمُ بصوت مسموع لأفكاره ، أو لِما يقرأه .. كانت بأوّل الأمر تستغرب فعله ، حتّى أنّها ظـنّت به جنونا أو عَتَـهًا .. لكنّها تعودت و أدركت أنّها عادة لديه ..
وذات مرّة تفاعل مع المقروء بشدّة وهو غائب عمّـن حواليه .. لم يكن غيرها في القاعة .. ضحكت بدون إرادتها .. فنظر لها وهو شبه غائب عن الوعي ، ثمّ انتبه لنفسه فضحك معها باحتشام .. وبلحظات طالت الضّحكة بينهما ..ثمّ أردف بتحيّة لها رقيقة وبعض كلمات دارت بينهما لرفع الحرج ..
أحسّت بإحساس غريب عنها .. الضّحكة أدخلت عليها فرحة لم تذقـها من زمن بعيد ..
و مع الأيّام صار تواجدهما معا يزيد في قاعة الجلوس.. و بدأت حواراتهما تتكاثر و تطول فاكـتشـفا ميولاتـهما المتـقاربة و التي بَنَت شيئا بينهما ..
ما هذا القادم الجديد ؟؟!!
لقد أيقظ فيها أشياء .. لم تكن تنوي الوقوع في الحبّ و لا فكّرت به بعد الزّواج .. فقد تأكّدت - أو هكذا ظنّت - أنّ هذه الأشياء رحلت في قطار العمر ..
'أتـاريـه' لا يزال متوقّفا ، و لم يُرِد السّفر بمقوّمات الحياة لديها .. لتأخذ فرصتها في أن تعيش الحبّ .. و يسبح قلبها في عوالم الفرح و الإشتياق و الآمال و....و...
نعم ٠٠٠ لتلمس روحها ذاك الإحساس الجميل .. ذاك الإحساس مُنعش الرّوح والقلب والعقل و٠٠٠٠ و حتّى الجسد .. اِنتعش فيها الأمل و تجاهلت الأمراض أو خفّ وطؤها عليها .. حتّى أنّها بدأت تهتمّ بنفسها أكثر و بملابسها لـتأخذ فرصتها بأن تعيش الحياة ..
كان يكتب مقالات وأقصوصات .. صار يقرأها عليها .. سعدت باهتمامه بها .. بدأت تشعر أنّه يكتب لها .. و فعلا كان يفعل ، لكن يخاف ردّة فعلها .. لم يتوقّف فكلّ يوم يلمّح أكثر و أكثر حتّى جَهَرَ ..
سَرَت فيها السّعادة .. طارت بسماء الحبّ و الغزل والأشواق وخفقات القلب التي لا تهدأ ..
يا للعجب ها قد رفّ ثانية قلبها الذي دفنته قبل جسدها .. سبحان الذي يحيي العظام وهي رميم ..
❤#WB❤

تعليقات
إرسال تعليق