ما خطرش على بالك يوم بقلم وفاء بو ترعة
أقصوصة ٠٠٠
**** ما خطرتـش على بالك يوم ****
¤ كانت السّت أم كلثوم تغـنّي" يا مسهرني" ... بينما هي مشـغولة بخـياطة فسـتان العـيد لصـغيرتـها و كلّ تـركـيزها في اتـقانـه .. و مع اسـترسـال الأغـنية بدأ تركـيزها يتحـوّل ، اِشـتغـلت الذّاكـرة لتحـملـها على أجنـحة الزّمن لأيّـام الصِّـبا .. أيّـام كـانت تفـتـح المسـجّل بأعلى صـوته ليقـتحـم مكـانا فيه جنّـتهـا .. جـنّةً لا تـرى فيـها غيـره .. فـيَصِـله سـؤالـها - ماخطـرتـش على بالـك يـوم تسـأل عني ؟ - كـانت تـريد إجـابـةً تحـدّد موقـعـها في قلـبه .. أين تكـون ؟ احـتلّـته أم مازالـت تُـرابـض في مـشارفٍ بعـيدة رغـم القـرب مكـانـيا ؟ فهـو ابن الجـيران .....
¤ كـانت بـأوّل صِـباها لا تَفْـقَهُ من الدّنـيا شيـئا و لا تفـهم من عالـم الأحـاسيـس و المـشاعر غيـر حبّـها الفـطـري لعـائلـتهـا .. تـعيـش معـهم بسـعادة ، فـهُمْ كـلّ دنـياها .. إلّا أنّ السّـعادة بـدأت تتـحـوّل الى البيـت المـقابـل الذي سكـنتـه عائـلة من مـدّة قـصيـرة نسـبيـا .. تـمّ التّـعارف بين أمّـها و الجـارة الجـديدة .. و في الزّيـارات المتـبادلـة كـانت تسـترق السّـمع لِأَحـاديث أمّـه عـسَى أن تلـتقـط معـلـومة عنه ، فعـرفـت اسـمه وعمـله و أنّـه بصـدد بنـاء بيـت له ملاصـقا لـبيـتهـم ..
¤ هـي كـانت تـدرس بـالإعـدادي ..
و لـمّا تـذهـب للـمعـهـد و ترجـع منه تـراه أمـام بيـتهـم بأسـباب عـدّة .. لاحـظـت هـذا التّـواجـد المـستـمرّ .. هـل هـي مصـادفـة أم . . . . أم مـاذا ؟
بدأت عـينـاها تقـفـز ناحـية بيـت الجيـران كـلّمـا اقـتـربـت منه .. يا إلاهـي صـارت تبـحث عـنه ! ! و إن تغـيّب تنـشغـل عـليه ! ! بـدأت تحـسّ شيـئا جـديـدا يحـتويـها ! ! شيـئا لـذيذا يغـمر حـنايـاها ! ! نغـما جـميـلا يرقـص علـيه قلـبها الصّـغيـر بخـفـقات سكـرى ! ! و إذا اقـتربـت بيـنهـما المـسافة ، تحـسّ بهـالـة قـويّة من مغـناطيـس تلـفّهـا و تحـملـها بأجـنحـة لعـوالـم تكـتشـفهـا أوّل مـرّة .. غيـر أنّـه إذا مـرّت من أمـامـه تنـزّل عيـنيـها إلى الأرض .. لم تـره مـرّة عن قـرب حتّى أنّـها لا تـعـرف تفـاصـيل وجهه .. لا يهـمّ فـوجوده في حيـاتـها مـلأ كـلّ التّـفاصـيل ..
¤ هو يقـضّي أغـلب اليـوم أمـام بيـتـهم يشـرف على عمـلة البـناء لـبيـته الجـديد .. أمّا عمـله فهـو باللّـيل و قـبل ذهـابه على درّاجـته النّـارية يشـغّلـها و يبـدأ في التّـزمـير بحـجّـة استـعـجـالهم أن يأتـوه بأمـرٍ ما .. تسـمع هي هذه الدّوشـة المفـتعـلة .. فـتخـرج مسـرعة للحـديقـة ، و من مكـان بهـا فـيه نـور باهت يمكـنهـا أن تـراه و يـراهـا .. تقـف هـناك تـتابـع حركـاتـه و سكـناتـه و يبـدو لـها أنّـه يفـعـل نفـس الشّـيء .. و يمـاطـل في الذّهـاب .. تمـنّـت أن تحـادثـه لتـخـبره بأشـياء لـم تعـرفـها بحـياتها إلّا مـعه ..
تمـرّ الأيّـام بحـلاوتـها ، حتّـى أنّـها صـارت لمّـا تذهـب لمعـهـدها تتـوقّـع لحـاقـه بهـا ليحادثـها .. لكـنّه لايفـعـل .. و حين ترجـع للـبيـت ترسـل له السّـت لتـقول له نيـابة عنـها { ماخطرتش على بالك يوم تسأل عنّي دا بكره يفوت وبعدو يفوت ولا كلمه ولا مرسال } و هـو لا يحـرّك ساكـنا ..
¤ ذات يوم،وفي طريقها للدّراسة كانت شاردة الفكر تتخيّله يسير بجانبها يحادثها..يغازلها.. نعم يغازلها تعيش جمال اللّحظة في الخيال.. أحسَّتْ بخطوات مسرعة وراءها فالتفتت بِشُرودٍ والتقت عيناها بعينيه لأوّل مرّة.. ياربّي..اِختلّ توازنها.اضطربت ساقاها.أحسّت أنّ كلّ حركة بالعالم شُلّت و توقّفت..
ألقى عليها التّحية..لم تعرف إذا ردّت عليه تحيته أم لا.....
بهذه اللّحظة برزت زميلة لها،لم تدري من أين أو كيف جاءت؟!! لم تتعوّد أن تلتقيها..أخبرتها زميلتها بأنّها باتت بدار جدّتها بالجوار وأنّه لحسن حظّها وجدتها لتكمّلا معا الطّريق للمعهد..
تمتمت المسكينة بسرّها :
- هه..يالِحسن حظك أنتِ..ويالِسوء حظّي أنا..
واصلتا السّير حتّى وصلتا، وهي تتبعه بعينيها..إذ بظهور الصّديقة أسرع في خطواته ..
قالت في نفسها :
- هي البداية وهذا جيّد..وغدًا سيفعلها ثانية وتصبح لقاءاتنا دائمة..
اِنتشت.. لكن سرعان ماطارت النّشوة،فقد تذكّرت أنّه ستبدأ العطلة غدا..أف.....كيف ستنتظر نصف شهر آخر؟؟!!
¤ بأحد أيّام تلك العطلة شرّفت أمّه تزور أمّها تحادثتا طويلا..حاولت كعادتها استراق بعض ما يدور بينهما، لكن أمّها لم تترك لها الفرصة...فخرجت للحديقة رفيقة حكايتها ومن غيرها مَحَطّ أسرارها...
¤ مرّت أيام العطلة ثقيلة،خاصّة أنّها لم تعد تراه كما تعوّدت..وجدت له ألف عذر منتظرةرجوعها للدّراسة لتنعم بلقاءاته وبحياة جديدة ..
عادت..إلّا أنّه لم يحصل شيء من انتظاراتها،.يااللّه ماذا حدث؟ لقد سارت الأمور للأحسن!!
بقيت في حيرتها لأيّام وأسابيع..لم تجد إجابة لأسئلتها..زادت حيرتها.. تبعثرت أمورها حتّى نتائجها الدّراسية تراجعت وبدى عليها الذّهول إلى أن جاءت إحدى حفيدات الجارة لتلعب مع أختها الصّغيرة..لازمتهما ولا تدري لماذا..أهو الحنين له يدفعها..أم لتعرف بعض أخباره أو...أو...؟؟ وفعلا حكت الحفيدة لأختها عن خطيبته وذكرته بالإسم.. زلزلت الأرض تحت قدميها..و لفّ دماغها ألف لفّة ولفّة في لحظة..و دون احتراز قالت لها :
- عمّك ليس له خطيبة كيف تقولين ذلك؟؟
أجابتها البنيّة ببراءة :
- نعم له خطيبة وسيتزوّج في العطلة القادمة..
ياااااه المسكينة..يالِحظّها التّعيس..كم آمالا زيّنت خيالها،وكم أحلاما بَنَتْ لتعيشها في ذلك العشّ الصّغير الذي يبنيه وكأنّه يقول لها اِصبري قليلا إنّي أبني عش حبّنا الذي سنقضّي فيه أحلى أيّام عمرنا..وكم...وكم...
يا الله لِمَ هذه القسوة؟ لِمَ فتحتَ باب الجنّة، وبسرعة أغلقتَه؟؟
¤ وفي يوم، بدأت إحتفالات عرسه..سمعت الزّغاريد صرخات تُقطّع روحها وقلبها وعقلها.... كيف لا وقد أحبّته بكلّ مافيها..كيف ستستطيع حضور حفل زواجه؟وإذا لم تحضر فبِماذا ستفسّر عدم حضورها لأمّها ولبنات الجيران؟
¤وكما تغنّت نجاة الصّغيرة.. رسمت بعينيها الفرحة وحضرت عرس حبيبها.. اختارت*ولا تدري لماذا أيضا*مكانا قريبا من العريس وعروسه.. يالِسُخف القدر أوّل مرّة تراه من قريب وترى تفاصيل وجهه..ارتبكت أكثر..وأكثر لأنّها أحسّت ارتباكه ضابطة عينيه تسترقان لها النّظر..احترق عقلها وهو يتساءل :
- إذن مازلتَ تحبّني!! لِمَ تركتَني؟ما منعك أن تبقى معي و تزوّجت من أخرى؟؟
بآخر الحفل،أخذ عروسه ودخلا عشّ أحلامها الصّغير وأغلق الباب لفصل من حياتها..والتي استمرّت حتّى تزوّجت و وجدت في زوجها خير عوض..
بعد أشهر قليلة من زواجها،وفي زيارة لأمّها تجاذبتا الحديث..وعن سؤال عابر لها عن الجيران ركّزت أمّها الحديث على الجارة........
في حديث أمّها حكت لها عن ذات يوم جاءت أمّه لتخطبها لابنها..وأخبرتها أنّه يحبّها وأنّ بيته تقريبا صار جاهزا ليستقبلها فيه عروسا..إذا تمّت الموافقة طبعا...
أحسّت بقلبها ينفضُ كلّ قيوده ليخفق..ليرقص فرحا -لقد كانت حبيبته إذن-.. ولِيتألّم هذا القلب أيضا..نعم يتألّم..فاضت دموعها.. بكت شهقت..وقالت لأمّها في عتاب مرير :
- لماذا....؟ لماذا ياأمّي لماذا؟
ردّت عليها أمّها بِأسى :
- سامحيني يا ابنتي.. كنت أعلم حبّكما، لكنّي فضّلت أن تكمّلي دراستك..ثمّ أنّك مازلتِ صغيرة على الزّواج و.....
قاطعتها بصرخة مكتومة :
- لاااااا... لماذا تقولين لي هذا الآن؟ لقد مات ذاك الحبّ من موقفه الذي خذلني... والآن بعد كلّ هذه السّنين أكتشف أنّه بريء وأنّك من خذلتنا.. وأنّك من أصدر حكم الإعدام على حبّنا.. سامحك الله ...
اِنهارت بذلك اليوم وتمنّت من كلّ قلبها لو لم تخبرها أمّها،فقد مات ذاك الحبّ واقتنعت بالنّهاية رغم ألمها..
¤ مرّ شريط ذكرياتها بين عينيها.. بينما لازالت أم كلثوم تشدو بسؤالها الذي عرفت جوابه يومها وباقي أجوبة أسئلتها.. عرفت أنّه اِلتحق بها ليخبرها بأمر الخطبة وإن كانت ستوافق.. وأنّ أمّه جاءت لتخطبها في تلك العطلة..وأنّه تغيّر من يوم رفضته أمّها لكن قلبه لم يتغيّر أكيد.. و دليلها ارتباكه يوم عرسه وسرقاتٌ من نظراته لها ..
كانت الدّموع تذرفها غزيرة على خديّها لمّا حضنتها ابنتها قائلة لها :
- ماما...ماما.. ما الذي يبكيك؟
اِنتبهت لنفسها ولِما فعله بها شريط الذّكريات..فرجعت بارتباك لإكمال خياطة الفستان..ثمّ ردّت على ابنتها :
- لا عليك ياابنتي فقد اِنغرست الإبرة بقلبي..قصدي بإصبعي.. الأمر بسيط حبيبتي ..
لكنّ البنيّة قالت بصوت يخنقه الحزن لكنّهاواثقة من ظنّها :
- أعرف لِماذا تبكين..لم أعد صغيرة ..إنّك تبكين أبي الذي استدعاه ربي ليضعه بالجنّة..وانخرطتا في البكاء..
¤ مضت شهور بعد ذلك..
و بيوم.. ذهبت لتهنّأ والدة صديقة لها رجعت من الحجّ.. و لِأَلَاعيب القدر وجدت هناك أخت حبيبها...بقيتا تتجاذبان أطراف الحديث وبعض الذّكريات... وآه من تلك الذّكريات..فقد أخبرتها أنّه لم يقدر على العيش مع زوجته فطلّقها وحرّم على نفسه الزّواج ..وأنّه يعشق أغنية السّت"يامسهرني" ويسمعها باستمرار.. حكت لها الكثير عنه وعن عشقه لها..طال الحديث بينهما حتى غابتا عن مَن حواليهما... وبالأخير تبادلتا أرقام الهاتف كما أصبحتا صديقتين على الفيسبوك لاحقا لتتواصلا عبرهما ...
¤ لقد مرّت السّنين الطّويلة على ذاك الحبّ، إلّا أنّ الأقدار مُصرّة على أن لا تنقطع الأحداث و تتجدّد لتأتي بالجديد... وأهمّ هذا الجديد أنّ الحنين بدأ يرجع لأصله.. وما أصله غير ذاك الحبّ الذي ظنّت أنّها دفنته للأبد...هاهو قلبها يرقص رقصاته الحالمة التي عرفتها قبلاً بأول حياتها..
¤ بيوم وهي تتصفّح حسابها الفيسبوكي وجدت رسالة من شخص ليس صديقا معها يقول لها :
- هل تقبلين صداقتي على الأقل؟؟ وددت جدّا أن نكون أكثر.. لقد بعثت لك طلب صداقة اِقبليه رجاء...
استغربت مِن الرّسالة.. ومَن هو قبلاً؟ فالإسم مستعار والصّورة لا تُبيّن ملامح وجهه...دخلت على صفحته تنبش فيها ..برقت عيناها.. تلاحقت أنفاسها بصعوبة... إنّه هو.. مش معقول هو.. و تمتمت :
- ما أجملكِ يا أقدار .. هذا حبيبي يريد الرّجوع ..
¤ صارا صديقين على الفيسبوك و بدأ تواصلهما الذي أوصلهما للنّهاية التي كان من المفروض أن تصير منذ سنين طويلة خَلَت.. أوصلهما لعشّ أحلامهما ففتحا معا فصولا وجَدا فيها من السّعادة ما أنسَاهما آلام الماضي....
وأخيرا ....
حضنها بِيَدٍ حانية و بالأخرى رفع وجهها قبالة وجهه ليتمعّن بتفاصيل وجهها التي لم يعرفها من قبل وهمس :
- أخيرا إجتمعنا رغم أقدارنا بعد أن عزّ اللّقاء فمضى كلٌّ إلى غير غايته.. و الآن نحن من نشاء لا تقولي إنّ الحظّ شاء.. لا تقولي إنّ الحظّ شاء * **☆.....☆.....☆.....☆.....☆**
✍️#WB✍️

تعليقات
إرسال تعليق