ليلة القدر خير من الف شهر بقلم مراد بن الشيخ



حدثتني الغالية عن جدتي القديسة زنوبيا امرأة امية ريفية تحب الارض الى النخاع تراها كامل يومها بين الحقول وبقراتها ودجاجاتها تعلفها اوتجني محاصيل الارض وقد تحططب من الغابة المجاورة لطهي خبز الطابونة....

زنوبيا اخت وحيدة لستة رجال تزوجت في ربيعها الثاني عشر
من فلاح من أصدقاء اخوتها رجل شهم خدوم سكن بها مع اخوته من الاب وزوجةابيه التي اذاقتهما الوان العذاب فاضطر الربيب ان يرحل رفقة زوجته الشابة إلى جنوب قريته فترك قرية الغرفة ونزح إلى قرية ابان حيث استقر بمنطقة الجسر حيث منحتاه خالتاه قطعة ارض بني عليها بيتا واشتغل بفلاحتها وبدأت حياة ملكة تدمر تتغير و تتحسن ماديا ومعنويا
وطفقت زنوبيا الشابة النحيفة فارعة الطول السامق ذات العيون التي تشع بريقا وجمالا وحياء وقدحمل جسمها بعض الاوشام التي تزين بها بعض أطراف المراة الريفية... كانت ترتدي ملاءة
حمراء قرمزية وتغطي رأسها بمحرمة من الحرير وقرطاها الذهبيان يتدليان من اذنيها الصغيرين وقد عصبت راسها بعجار مرصع بالمحبوب الاصفر من الذهب الخالص الذي يتلالا تحت اشعة الشمس ويزداد بريقه تحت الفانوس الزيتي اوالمصباح النفطي وقد يلفحها عند اشعال نار التنور وإعداد خبز الطابون.....
دخلت الزوجة الفتية معترك الحياة وانشغلت بمساعدة زوجها كعادة نساء دخلة المعاوين فالنساء شقائق الرجال كما يقول المثل الشعبي... طفقت النملة العاملة تدب في بيتها وفي حقلها تنجب الذراري وتزرع الارض وتجني رحيق تعبها وتعبد مستقبل ذراريها الذين بلغوا إحدى عشرة طفلا ستةذكور وخمس من الحراير وكبرت المسؤولية الملقاة علي عاتق هذه النحلة المعطاء فطورت زراعتهاوشرت الاراضي واصبح زوجها تاجرا في القرية واسس طاحونة وصاردبيب
النمل لا ينقطع عن حوشها واقبل على دارها الاهل والاحباب وبعض الرحل الاتون من الجنوب كالجليدات واهل المسعي.... الباحثين في الوطن القبلي الغني بفلاحته عن رحيق الارض وعن سنابل القمح والشعير فبعد الحرب العالمية الثانية اصبح بعض الناس في ضنك العيش ونزحوا إلى دخلة المعاوين قليلة السكان كثيرة الخير...
استقبلت زنوبيا رفقة عائلتها كل عابر سبيل واطعمته وساعدته فاصبح منزلها ملجأ من لا ملجأ له.....
مازالت تكابد الحياة لا تهدأ دائمة السعي لتطعم افواهاجائعة وترعى الماشية وتفلح الارض وبعلها منشغل بتجارته وسفره وطاحونته التي لا تهدأ وسط الارياف المترامية....
نما اطفالها وساعدوها واهتمت بنتها البكر بالعمل المنزلي فانغمست هي في الزراعة اكثر واصبحت لا تفارق الارض ليلا نهارا صيفا وشتاء تغرس المشاتل وتحمرها وتسقيها وتجني ثمارها في حركة دائبة لا تهدأ...
ذات خريف من شهر رمضان نهضت زنوبيا باكرة وجنت الفلفل الاحمر من مزرعتها القريبة من المنزل اذ ان اهلنا في قرية ابان عملوا بنصائح حمورابي فبنوا دياهم وسط حقولهم وحفروا ابارهم امام كل بيت فيشربون وتشرب ماشيتهم ويبنون السواقي إلى الارض المحيطة بهم...
جمعت الصابة وبعد الافطار والصلاة طفقت تشك هذا الفلفل الحار في خيوط من الليف لتعلق خيوط الفلفل الاحمر فوق سقوف المنازل ليجف بحرارة الشمس ويسمى فلفلا شمسيا مرغوبا في الأسواق خاصةسوق عاصمة الدخلة منزل تميم. او سوق نابل مركز الولاية حيث يقبل التجار من كل حدب وصوب لشراء انواعا مختلفة من التوابل والفلافل....
وان كان الخريف ممطرا وبارد ا يقوم الفلاح بتعلبق خيوط الفلفل وسط الكوشة ويوقد تحت الخيوط نارا حامية بعد وضع كومة من خشب الزيتون وهو الافضل او اخشاب غابية الي ان يسود الفلفل بفعل حرارة الحطب والدخان ويجف بتلك الطريقة فلا تتعفن قرون الفلفل ويمكن تخزينها مدة طويلة دون ان تفسد او تفقد نكهتها....
جلست الجدة الفتية تشكك الصابة وتسبح ومضي بها الوقت الي الهزيع الاخير من الليل واطل عليها القمر ليضيء ليلتها واحست ان الكون يلفه نور وهدوء لا مثيل لهما فخَمنت ان هذه الليلة ليلة مباركة التي مدحها الله وقال فيها انا انزلناه في ليلة القدر وما ادراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر.......

احست ان الله ارسل لها جائزة تفانيها في خدمةعائلتها وحسن تبعلها لزوجها فهي صوامة قوامة ولود معطاء فرفعت يديها المرتعشتين إلى السماء وتركت المخيط لتنشغل بمناجاة ربها الذي اقبل عليها يلبي دعاها ورجائها...

استمرت بين يدي ربها صاغرة ترجو الفلاح والنجاح لاولادها والزواج لبناتها وزيارة الكعبة ومدينة رسول الله وان يرزقها الصبر على مصاعب الحياة...
تمر الايام والسنون وتحقق دعاؤها فتزوجت بناتها وذهب اولادها الي المدارس ونجحوا وتخرجوا لكن ما كل ما يتمناه المرأ يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن؟

في بداية السبعينات بعد ان تخرج جمالها استاذ فرنسية وتبسمت لها الأقدار كشفت لها الحياةوجها اخر يحتاج صبر ايوب ولعل الله َوهبها صبرا لم يهبه احدا في هذه العصور المليئة بالنفاق والجحود اذ سرعانما مرض زوجها ولزم الفراش واقام في المستشفى ليعود جثة هامدة تاركا وراء ه زوجة شابة جميلة وثمانية اطفال منهم من لم يتجاوز السنتين كتل من اللحم الطري في ريف قاس وسندهاالوحيد استاذ يعمل في العاصمة لا يزورها الاكل عطلة فوسائل النقل شحيحة والمسافة بعيدة فما العمل..؟

ترملت زنوبيا في اوج عطائها و قفت كلبوة متنمرة تصارع الحياة وتطعم الا فواه الجائعة وترد الذئاب البشرية التي سال لعابها وطمعت في الظفر بارملة فائقةالجمال ذات حسب ونسب ومقدية ينبع الماء بين اصابعها اوفي إحدى صبياتها فتحولت هذه المرأة الهادئة الصامتة الي امراة شرسة متيقضة فاهملت زينتها حتى تصرف عنها العيون الزائغة وتحمي شرفها من طمع النفوس المريضة واعلنت انها لا تصلح للزواج وانها لن تترك أبناء ها الكثر والقصر في مهب الريح.. فانكبت تجذف نحو شاطئ النجاة فاتمت المهمة رغم شظف العيش وثقل المسؤولية واستمرت تكابدالي ان تزوجت بناتها وأنهى اولادها دراستهم وتزوجوا وهي لاتكل ولا تمل.....
وتمضي الايام الكالحة لتقبل الايام المباركة فتسافر زنوبيا إلى البقاع المقدسة وتطوف حول الكعبة الشريفة وتسلم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند زيارة الروضة الشريفة وشربت ماء زمزم حتى تضوعت وراتوت فقد كانت تطيل الصيام والقيام...
وهدت حركة النملةونما عسلها واحاطها احفادها وا ولادها واستذنتهم في السفر إلى ربها ودعتها الارض والسنابل وبكتهاعيون الاحباب والاحفاد وسكنت الي جوار زوجها بعد نيف واربعين سنة من الكفاح من أجل أن لا تبذل ما ء وجهها.. تغَمد الله زنوبيا اخت ايوب برحمته.......


مراد بن الشيخ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شتوية ما كيفهاش جزء 1 بقلم رؤوف سليمان

حكايتنا بقلم سمير الفرحاني

أنا البحر بقلم عماد إيلاهي