كريستينا بقلم محمد منصري
عرفها في احد شوارع ميلانو كانت شابة يافعة فارعة القوام ..شقراء بشعر ذهبي خالطته حمرة في خصلتها اليسرى ..تعودت ان تلبس لباسا جلديا في كل الفصول ..كانت تحب جدا اللباس اللافت ..هي اختارت ان تمتهن الاغواء على قارعة الطريق والغواية على افخم اسرّة نزل ميلانو ..يعرفها كل سكان ميلانو وكذا احوازها ..حتى بعض عناصر المافيا تعرفها وتستعطف الزمن ليمنحها لحظات مجنونة مع كريستينا ...
ما كانت تهتم كثيرا لنوع المراود ولكن كان يهمها سخاؤه ..وبقدر عطائه يكون عطاؤها ..
بعد زمن ربما طال قرر ان يحدثها ان يفهم سر استهتارها بهذا الكم من الانوثة ..كان يشعر ان شيئا ما غير عادي ...كان عليه ان يستجيب لمراودتها ..لا مجال لغير ذلك ..احضر سيارته الفخمة وانتظرها ..هي عادة تقف قرب شجرة باخر النهج ..شجرة كريستينا كما يسميها الميلانيون ..ها هي انها قادمة بلباسها الاسود اللافت وبسروالها الضيق وكعبها العالي ..لم يكن يهتم كثيرا لنصفها الفوقي او لعله يخشى ان تصيبه حركة نهديها باغماء ابدي ..اقتربت اكثر فعدل جلسته واشعل ضوء سيارته ثم اطفأه مكررا الامر ..الشيء الذي لفت انتباهها ..تقدمت منه ولم يطل الحوار لتركب ..كانت الوجهة غير محددة هذه المرة ..وماذا يهم فكريستينا قبضت الثمن الذي اقترحت واكثر ..
انطلق دون ان يحدثها وما حدثته ..كان يفكر في مدخل مناسب كان يحب ان يثني كريستنا عن ممارساتها ..كان يقول أأحدثها عن اهوال القبر؟ ..ام عن جنة الخلد؟ لا لا ساحدثها عن لذة الحياة الطاهرة ؟؟ امم لا اعتقد ستفهمني اذن لماذا لا احدثها عن الامراض واذى العهر ؟؟ لا لا ابدا هذا غير مهذب..سوء لياقة ان فعلت ..اذن احدثها عن ..عن...عن ماذا ؟؟ هكذا كانت الاسئلة تتزاحم لا تمهله فرصة التفكير حتّى ...كان يريد ان يجد المدخل المناسب مع ضمان النتيجة وما كان الامر بمثل ما توقع من سهولة ....
كريستنا الشقية لم يكن عسيرا عليها ان تفهم ان مرافقها منشغل الذهن ..مع ذلك ما استفزها الامر ..اخرجت سيجارة طويلة لاعبتها باناملها المثيرة وبحركة تفوح شبقا مررت سيجارتها على على ذقن مرافقها ببطئ كبير حتى وصلت شفتيه ..التفت مغمغما مرتبكا وقد زادت انفاسه فجأة ..فأطلقت هي ضحكة يتقنها فقط من امتهن فن الاثارة ..واصلت كريستينا تمرير سيجارتها وصولا الى رقبته ثم وبحركة مرفوقة بانفاس متقطعة حولت السيجارة الى فمها وطلبت منه ان يشعلها ..
كان المسكين قد فاض عرقا وشعر بحاجة لهواء اكبر ..ارتبكت يده وهو يحاول فتح بلور النافذة ..ثم ركن سيارته والمكان خاليا الا منهما ..
تظاهرت كريستنا بسقوط السيجارة من يدها واوحت بالبحث عنها ..في اماكن مختلفة ..جعلته يرتبك اكثر حينها همت به ولم تمهله فرصة الحديث ..كان بالنسبة اليها زبونا عاديا تود ان تمنحه ما تصورت انه يريد ..لتنصرف لغيره ..ابدى مقاومة عنيفة فما كان ذاك هدفه ..وهو يقاوم ضربت كفه الجدار بعنف ...
استيقظ بين انتشاء وفزع ..ادرك انه مجرد حلم ...حاول جمع انفاسه اللاهثة ولعن كريستينا والقبر ..لعن الاحلام ..لعن الموت والحياة ..لعن الاشياء كلها ..ثم استوى في جلسته قبل ان ينهض متمتما تمتمات محبطة ...خرج لا يعرف الى اين فقط يعرف ان الخروج ضرورة ..توقف متسائلا ؟ الجامع نعم الجامع ...لم لا اذهب الى هناك انه امن ؟ أو المقهى أي المقهى فالشيخ جيلاني تعود ان يكون هناك في الفجر وله من الحكايا ما يكفي دهرا؟؟ أم للبيت اعود علّى الاقي كريستينا اللعينة؟؟
في النهاية لم يذهب لاي مكان واكتفى
بمراقبة مشهد عمال النظافة وهم ينتشرون استعدادا لرفع القمامة حتى يكون يوما جديدا بلون نظيف .
بمراقبة مشهد عمال النظافة وهم ينتشرون استعدادا لرفع القمامة حتى يكون يوما جديدا بلون نظيف .
تعليقات
إرسال تعليق