حنين بقلم كوثر بارز . تونس

يذكرني الهواء البارد المتسلل من شباك غرفتي بذات ليل شتاء بعيد..في  بيت ريفي صغير عند الجبل..


هناك..على صوت أنين الناي المنبعث من جوف عمود الكهرباء فوق السطح يأتي الليل على مهل..

و هناك..يأتي القمر باكرا..و تتناثر النجوم كحبّات لؤلؤ بيضاء وسط السماء قبل أن ينتهي الأفق من ارتداء وشاحه الأسود..


النجوم أيضا تحبّ رائحة الدخان المتصاعد من موقد جدتي..و ترقب بفارغ الصبر مثلي قرص الخبز الساخن وسط "طاجين الطين"..و تتأمل عينيْ جدتي و خدّيها الشاحبين..و تجاعيد ترسم كثبانا من الذكريات على الجبين المتعب..


..............


النجوم من عليائها ترقب جدّتي..و أنا الصغيرة الضئيلة..أجلس القرفصاء على جلد خروف بالٍ غير بعيد من الموقد..أختبي تحت غطاء صوفي أبيض تضعه جدتي فوق رأسي و تحيطني به من كل جانب و تشد على أصابعي الصغيرة لتعلّمني كيف أمسكه تحت ذقني كي لا ينحسر إلى الخلف فأبرد..و لا تبقي مني خارجا غير عينيّ و الأنف الصغير المتورّد..


................


جدّتي تريد لي حياة غير حياتها..و عمرا مختلفا عمّا مضى من عمرها..و يدين أكثر نعومة من يديها..و شفتين أقدر على الابتسام و أجرأ على الكلام من شفتيها..

و هي مازالت لا تدري.. أنّي لا أريد من الدّنيا غير أن أرى على الضفة الأخرى من مرآتي عينين بعمق  عينيها و ابتسامة بدفء ابتسامتها..يوم أبلغ من العمر مثلها..



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شتوية ما كيفهاش جزء 1 بقلم رؤوف سليمان

حكايتنا بقلم سمير الفرحاني

أنا البحر بقلم عماد إيلاهي