حنين في زمن الإغتراب بقلم زينة المدروي
لم تعد رسائلى إليك أوراقا" مسافرة .يتقاذفها سعاة البريد من كيس الى حقيبة .ومن صندوق إلى آخر..ومن مدينة إلى مدينة ،لم تعد سرّا" أخبئه بين طيات كتابى المدرسى...أفتحه خلسة بدعوى المذاكرة ..ويرافقنى طوال العام الدراسى لينتهى إلى أقصى خزانة ملابسى مع بداية العطلة الصيفية وبعد أن أبلّل أسطره بدموع الشوق والفراق فى ليلة صيف قاسية الحرارة لم يعاودنى بها نسيم همساتك فى مناجاة شوق رددناها يوما"ونحن فى صفاءالولع.. متباعدين فى حياء ... نستمتع بذلك الجوار المقدس ولا نفكر فى تجاوز المحاذير.لأعود الى فراشى مفعمة بالسعادة. فيعاودنى طيفك البسام مرددا"أسمى خواطره ليظللنى غيم هواك ويبللنى رذاذ غيثك فتخضرّ من وقعه أرض نقية الثرى تصون الودّ فى الغياب والحضور.
الان.أصبحت رسائلهم الكترونية ..حروفها متشابهة .وكلماتها متشابهة ..ومعانيها باهتة..وتأثيرها بارد...وعواطفها مصنوعة. يكتبها أحدهم للعديد من النساء فى حياته..وتعبث بها أخرى مع كل الرجال فى حياته...ألا رحم الله طابع البريد الذى لا يعرفونه...وختم (البوسطه) التى لم يرتادونها... والحب القديم الذى لم يعيشوا حلاوته ومعاناته.
وما بين الماضى الحميم والحاضر المتطور كيف تريدنى أن أكتب لك رسائلى الحديثة؟ فساعى البريد لم يعد يرتاد حيّنا...والرسائل المعلبة هذه لا ترضى طموحىي فأنا أريدك أن تغازل خط يدى أو تنتقده كما عوّدتنى...أريدك أن تعمل عقلك فى إستنتاج كلمة ما إستعصت عليك لتختبر مدى تواصلنا الروحى...أريدك أن تفهم عتابى كلما كتبت لك بالقلم الأسود..وتدرك رضاى وحبى كلما كتبت لك بالقلم الأحمر...وتستشعر حنينى فى القلم الأخضر...بالمناسبة هل لا تزال هناك أقلام ملونة؟؟ وفيم تستخدم؟!!
وقل لى بربّك كيف أكتب حنينى إليك فى هذا المساء؟ وبأى وسيلة أبعثه فيصلك دافئا" طازجا" كما هو؟ فيرفّ بين يديك كعصفور صغير...وتحوّطه لهفتك من كل الجهات..وتسعر عليه عيناك فيبدّد عنك وجع الإغتراب...ويدلف بك إلى عالم لا تحدّده حدود جغرافية منسوج من روح الكلمات وخيوط الصدق والعواطف النبيلة...تغتسل فيه من غبار رهقك ومعاناتك برذاذ اخلاصى وترقبى..حتى تعود ومعك تلك الأمانى فى لحظة نديّة ريانة الثوانى محملا" بالخير والخيرات لتفتح باب الوصال على مصرعيه وتغلق باب الحنين ليصبح فى سفر الأيام ذكرى في قصائدى ربما تتغنى بها ألسنة الأيام .ذات يوم.
هكذا يشتدّ حنين الإغتراب...ويتمدّد ليل الغربة والبعاد فى أعمارنا القصيرة وإن طالت تغادرالأشواق حنايانا وتسافر الى ديار المحبوب فى مضارب أخرى قاطعة" أودية الصّبر بعد أن شحّت الأرض وتناثر العشاق بين منحنيات المراعى سعيا" وراء الرزق الذى يقى مغبة البعاد.فلا يعد ثمة أنيس يؤنس..أوهمسة حب تدفئ رتابة الاحيان..إلا أن يعودالأريج الى الأزاهير الذابلة .وتأخذنى إلى دنياك فيعطر عبيرها الزوايا وتبدأ الحياة ..............
تعليقات
إرسال تعليق