زائر الليل بقلم جميلة فاضل


تمدّدت على منضدتي المعتادة بالصّالون بعد أن وضعت بجانبي  على طاولتي كل مستلزماتي .. ورق أبيض .. أقلام  وترموس من القهوة السّوداء لكي أطرد النّوم عن جسدي المنهك .. مركّزة السّمع على الهاتف أنتظر رنينه في تلك الليلة ككلّ ليلة .. مذ كلّمني ذاك الصّوت الرّجاليّ المجهول الهويّة منذ أسبوع وكثيرا ما  مضّيت الليل أرقا  أستعيد مكالماته ويخيّل إليّ أنّني كنت أسمع صوتا له رائحة يملأ وحدتي عبقا عطرا   ويضيئ أعماقي  القاتمة كأنّه برق داخليّ .. وأنا على أمل أن أسبح في ذاك النّبع الصّافي في الليلة القادمة .. كنت أعددت كشكولا نمّقت سطوره  كلمات لطيفة ستردّ بها شفتاي على دعابته اللطيفة التي تمنحني مسحة من الاطمئنان والسّكينة وكثيرا من السّباحة في الخيال .. قرأته مرات مبتسمة أثني على قلمي العزيز ومنقذي الوحيد .. ليرنّ الجرس .. رميت بالكشكول على ركبتيّ .. رفعت السماعة بسرعة .. فإذا بي أسمع صوتا نسائيّا يسرد سخافات وقحة .. أنت غبيّة ... تصدّقين كلاما معسولا يسدّ فراغ شغله الليلي .. ارتعدت فرائصي حين أطلقت العنان لضحكات هستيرية .. سمعت ويا لهول ما سمعت إ.. الصّوت الرّجالي المجهول ينبعث بين ضحكاتها إ.. لم أدعها تكمل سخافاتها وبيد مهتزّة أرجعت السّمّاعة مكانها .. ورغم مرارة الصّور بعد ان  هدأت قليلا وجدت بارقة من أمل في أنّ الأصوات ربّما تتشابه وأن هذه الفتاة وصاحبها أصابهما أرق فتعمّدت اللّهو وأدارت أرقاما ما ومن سوء حظّي كنت الضّحيّة .. ولكن لمّا تذكّرت كل كلمة دارت بيني  وبينها حين كلّمتني " كلاما معسولا " شغله اللّيلي " .. استرسلت في التّصوّرات .. ضحكاتها .. ضحكاته .. أيكون هو إ.. دقّ جرس الهاتف من جديد ليقطع حبل تصوّراتي .. إنّه هو .. المجهول .. إنّها نفس الضّحكة إذ لم يبق مجال للشكّ .. فقد انجلت لي الحقيقة كلّ الجلاء حين سمعت نفس ضحكة الفتاة وهو يأمرها بالسّكوت بصوت خافت .. انتفضت انتفاض العصفور بلّلته المياه وأخرست المفاجأة لساني فلم أجد ردّا .. رميت بالسّمّاعة وأطرقت اطراقة الحزين وجعلت الدّموع تتناثر من عيني وتسقط نقطا تبلّل الكشكول الذي ظلّ يتململ فوق ركبتيّ المثلّجتين المرتجفتين لتبعث من سطوره المبلّلة ما يشبه أنين الجريح تكسوه الدّماء وضحكة مدوّية ساخرة يبتعد صداها شيئا فشيئا هاربا بأحلام وأمنيات وأحاسيس كثيرة كانت تزورني كلّ ليلة مع صورة ذاك الزائر الليلي المجهول الذي ينبعث صوته من اللامكان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شتوية ما كيفهاش جزء 1 بقلم رؤوف سليمان

حكايتنا بقلم سمير الفرحاني

أنا البحر بقلم عماد إيلاهي