ثرثرة مابعد منتصف الليل بقلم رؤوف سليمان


الساعة الثانية واربع دقائق صباحا. النوم يأبى ان يريح جسدي المنهك . يهجرني هجرا عنيفا... يقتل احلامي .ماذا عساي افعل... ترهات التليفزيون لا تشبع روحي الجائعة...
صوت الريح يدوي في ارجاء البيت الخالي من الاثاث... اصوات الكائنات تبلغ مسمعي في شكل غمغمات لا افهم كنهها... صوت الضفادع في القنال المجاور سنفونية مطلقة...
بدأ عصفوري المسجون في القفص يستفيق بعد ان اقلق راحته صوت التلفاز.... غمغم ثم سكت... ثم غمغم مرة أخرى... انه يأنبني...
حسنا ساقتل التلفاز... حاضر... حاضر ....
الساعة الثانية ودقائق عشرين... سيارة تمر  ... هدير محركها يوقظ سكان المقابر... ذكرني بتلك السيارات القديمة... او دبابات الحرب الاولى.... لكن لا احد يحرك ساكنا....
ربع ساعة بعد جلبة من الكلاب تمر كانها جوقة عسكرية تفقدني صوابي... اصرخ فيها من شرفتي... من يسمعك ... كلاب تمر...
الحكومة لا تهتم للكلاب... فلقد اصبح لها حق المواطنة.... استمعوا... هذا كلب وقح يلعن وزير البيئة.... وتلك كلبة متبرحة تصب اقداحا لوزير التربية .... وهذا الكلب الاسود يتوعدني قال انه صديق رئيس الحكومة....
اين المفر.... الليل والكلاب عليَّ....
يتنائى الى مسمعي صوت جاري مؤذن المسجد المقابل اعلى الربوة يفتح باب حوشه ثم يغلقه بعنف- انه قديم متآكل- الباب طبعا ...
اعرف انه يقطع ثلاثمائةخمسة وتسعون خطوة متثاقلة ليصل باب المسجد...عدوا معي... واحدة... اثنتان...ثلاثة... يتوقف تتوق رئتيه الى دخان سجارة رخيصة....يضرم فيها ولاعته...يعفر نسمات الفجر بدخان سجارته المهربة عبر الحدود على ظهر حمار... ذاك الحمار ادمن هو الاخر فاصبح يقاضى اجره سجائر بدل التبن والشعير ....
تعود جوقة الحكومة في وصلة من الموشحات من اجل الظفر بالانثى الوحيدة في القطيع...
سألزم الصمت ....قد تكون هذه الانثى عشيقة الرئيس... فاصلب صباحا على مزابل القصر الرئاسي... اخيرا ...وصل المؤذن المسجد ..  خارت قواه... لا قدرة له على صعود المئذنة بعد ان ملأ رئتيه بدخان نتن مهرب...
جلس وفتح المذياع ينتظر الآن على القناة الاولى... سهى قليلا او ربما لعب الشيطان بعقله فمرر مقطعا من اغنية فيروز " انا لحبيبي وحبيبي الي" ثم انتبه من توهانه فاعتذر في مكبر الصوت واستغفر  . ..  وعاد الى صمته.. ففاته اذان الاذاعة فقام ينعق بصوت يشبه كل شيء الا الاذان... ثم سمعته يقول " اشهد ان علي ولي الله" اكتشفت بعد خمسين سنة ان شيخنا شيعيٌّ.... ليس المهم ما اكتشفت...فقد انتشل روحي من غمزات كلاب الحكومة وعشيقة الرئيس .....

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

شتوية ما كيفهاش جزء 1 بقلم رؤوف سليمان

حكايتنا بقلم سمير الفرحاني

أنا البحر بقلم عماد إيلاهي